المتنورون وتاثيرهم في المجتمع بحسب قانون الازاحة….

المتنورون وتاثيرهم في المجتمع بحسب قانون الازاحة….

  • 99
  • نوفمبر 02, 2021
اندلعت الحركات الثقافية الفكرية التنويرية المعاصرة  في مجتمعاتنا منذ عشرينيات القرن الماضي بعد دخولها مضمار النهضة الفكرية  مع رواد النظريات الفكرية في جميع المفاهيم  العلمية والادبية التي تسربت الى بلدان العالم الثالث ابان الحرب العالمية ومنذ ذلك الحين ونحن ندور في دوامة صراع الحضارات.

يعد النصف الاول من القرن العشرين  في العراق بداية  لظهور ونمو  تيارات فكرية متعددة ومتباينة ، فبعد ان كانت بغداد على مدى تاريخها الحضاري المتعدد المصدرة للانجازات الثقافية والمعرفية ومنبعا  المذاهب الدينية والحركات ووضعت النظريات والقواعد الفلسفية والفكرية واللغوية على مدى العصور الاسلامية الاولى ،تحولت ومنذ بدايات القرن العشرين  متلقية لاغلب التوجهات والتيارات الفكرية العلمانية التي نشطت في اوربا ، التي القت بظلالها القاتمة على المشهد الديني والاجتماعي والثقافي وحتى السياسي بفعل الصراعات الايدلوجية  لكننا لاننكر بانها  ساهمت بعض الشيء  في بلورة الوعي والتنوير الاجتماعي والثقافي في البلاد.

انتج هذا الصراع الكثير من المدارس التي تبنت افكار ورؤى ونظريات في علم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد  وادارة المجتمع   ادعت انها الاكثر دقة وعلمية وذهب صوبها عدد لا بأس به من الباحثين والمثقفين من الذين آمنوا بها ودافعوا عنها بكل ما اوتوا من قوة. 

ومنهم من اثر بمجتمعه وارتقى به ومنهم من اكتفى بنفسه وانكفى عليها فصارت العلاقة بينهم  وبين المجتمع علاقة فيزيائية شبيهة بقانون الازاحة فلو اخذنا قدح مملوء بالماء ووضعنا فيه مكعب من الحديد فان هذا القدح سيفقد جزء من الماء بقدر حجم المكعب. اما اذا وضعنا  في نفس القدح  مكعب من الخشب فسوف لن يفقد شيئا يذكر لان الخشب يطفوا على الماء. ولو وضعنا في المرة الثالثة و في ذات القدح المملوء بالماء مكعب من معدن  له قابلية التحلل والتفاعل  والتلوين    عندها سنرى ان الماء يتلون بلون  القطعة الغاطسة وسيتفاعل معها وتمتزج جزيئاته  مع جزيات الماء وينتج لنا ماء له لون وطعم وخصائص  قطعة المعدن التي ذابت فيه وتعشقت مع جزيئاته.. وهكذا  اصبح  لدينا ثلاث حالات من التفاعل الفيزيائي تشبه الى حد ما  انواع  المثقفين والمفكرين وتأثيرهم  بالمجتمعات المحيطة.

النوع الاول مثقفين ومفكرين وعلماء متنورين لدينا  لهم وزن وثقل كبير في المجتمع (مكعب حديد)ولهم  حيّزهم  الكامل في الوسط  المحيط بهم (  الماء )  و  يكون على قدر عالي وكبير من التمكن والتمركز ويشكل طبقة راقية تسمى النخبة تتميز   بمستوى علمي وثقافي عالي high- level. لكنهم غير مؤثرين بالوسط الا بقدر تأثر الوسط بهم   (ماتم ازاحته من الماء)   و هذا النوع اناني لا يرغب بالتفاعل مع محيطه  الذي احتضنه فبقي متقوقعا على نفسه في حالة عالية من النرجسية والاعتداد بالنفس ويتعامل مع الاخر  بفوقية عالية وتمييز…

النوع الثاني شبيه بمكعب الخشب  فهؤلاء هم دعاة الثقافة والعلم و انصاف المثقفين  واشباههم من الذين لا يحملون من الثقافة والعلم الا قشورها ، المفرغين من كل ماهو قيم  ومؤثر ويتشدقون بالمظاهر الغربية والثقافات الاجنبية  لكنهم نجحوا في الترويج لانفسهم وسوقوا لها  فاصبحوا مشهورين ومعروفين  فقد لبسوا ثوب المثقف الاديب العالم لكنهم في الواقع لايحملون سوى التافه وغير المؤثر وليس لهم وزن في المجتمع فقبعوا فيه غير مؤثرين ولا متأثرين…

النوع الثالث وهو الاخطر  فهو اما نوع نبحث عنه ونطلبه حثيثا  او النوع الذي نخشاه ونحذره   كونه المؤثر والمتفاعل والمواكب والمُنتج ومثلهم كمثل مكعب المعدن الملون لذي لديه قابلية التفاعل والذوبان والتلوين.. فهذا النوع من المتنورين و المثقفين والمفكرين واصحاب الرأي والنظريات العلمية يصبح عامل قوة ناعمة ان  كانوا بالاتجاه الصحيح والمذاهب والمدارس الاخلاقية العالية و المبادئ والاهداف الانسانية النبيلة هؤلاء هم الذين لديهم  القدرة  على التاثير والتغيير و القدرة على قيادة المجتمعات نحو الوجهة الصالحة التي اعتقدوا بها وامنوا  يوجهون المجتمع نحوها فيصبح المجتمع صالحا وسعيدا وهو المطلوب…
 
وان كانو من دعاة الانحراف والانحلال وتبني الثقافات المنحرفة والسلوك الشاذة والافكار الغريبة على مجتمعاتنا والتي تتنافى وتتقاطع وتتعارض مع متبنياتنا الدينية والاخلاقية ومورثنا من  اعرفنا وتقاليدنا النبيلة وتهدف الى تصقيط وتمزيق نسيج المجتمع وتشويهه وجره الى هاوية التخلف الاخلاقي والابتذال فهذا النوع هو الاخطر والامضى والانجع سمّية ونستطيع ان نطلق عليه بانه الاداة القاتلة والسلاح الفتاك بيد العدو يصوبه   تجاه المجتمعات المستهدفة في حرب تعرف بالحرب الناعمة….

حليمة الساعدي

أخبار مشابهة